كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فأخبر الرجل خالدًا فوجد درعه والفرس على ما وصفه، فاسترد الدرع، وأخبر خالد أبا بكر تلك الرؤيا، فأجاز أبو بكر وصيّته. قال مالك بن أنس: لا أعلم أجيزت بعد موت صاحبها إلاّ هذه.
حدّثنا أبو محمّد المخلدي، قال: أخبرنا أبو العبّاس السرّاج، قال: حدّثنا زياد بن أيّوب، قال: حدّثنا عباد بن العوّام، ويزيد بن هارون وسعيد بن عادر، عن محمّد بن عمرو، عن أبي سلمة، قال: حدّثنا سعيد، عن أبي هريرة.
قال: لمّا نزلت {لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي}... الآية، قال أبو بكر: والله لا أرفع صوتي إلاّ كأخي السِرار.
وروى ابن أبي مليكة عن أبي الزبير، قال: لمّا نزلت هذه الآية، ما حدّث عمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، فيسمع النبيّ صلى الله عليه وسلم كلامه حتّى يستفهمه ممّا يخفض صوته، فأنزل الله سبحانه فيهم: {إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ الله} إجلالًا له {أولئك الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى} أي اختبرها، فأخلصها، واصطفاها كما يمتحن الذهب بالنار، فيخرج خالصه، وقال ابن عبّاس: أكرمها.
وأخبرنا أبو سعيد محمّد بن موسى بن الفضل النيسابوري، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمّد ابن عبد الله بن أحمد الإصبهاني، قال: حدّثنا أبو بكر عبد الله بن محمّد بن عبد القريشي، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى بن أبي خاتم، قال: حدّثني جعفر بن أبي جعفر، عن أحمد بن أبي الخولدي، قال: سمعت أبا سلمان يقول: قال عمر بن الخطّاب في قوله: {الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى} قال: أذهب الشهوات منها {لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} ويقال: إنّ هذه الآيات الأربع من قوله: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ} إلى قوله: {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} نزلت في وفد تميم.
وهو ما أخبرني أبو القاسم الحسن بن محمّد، قال: حدّثني أبو جعفر محمّد بن صالح بن هاني الورّاق سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، قال: حدّثنا الفضل بن محمّد بن المسيب بن موسى الشعراني، قال: حدّثنا القاسم بن أبي شيبة، قال: حدّثنا مُعلّى بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا عبد الحميد بن جعفر بن عمر بن الحكم، عن جابر بن عبد الله، قال: جاءت بنو تميم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فنادوا على الباب: يا محمّد اخرج علينا، فإنّ مدحنا زين وذمّنا شين. قال: فسمعها النبيّ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم، فخرج عليهم، وهو يقول: «إنّما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمّه شين». قالوا: نحن ناس من بني تميم، جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بالشعر بعثت، ولا بالفخار أمرت، ولكن هاتوا». فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبابهم: قم فاذكر فضلك، وفضل قومك. فقام، فقال: الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه وآتانا أموالًا نفعل فيها ما نشاء، فنحن من خير أهل الأرض، من أكثرهم عدّة، ومالًا، وسلاحًا، فمن أنكر علينا قولنا، فليأت بقول هو أحسن من قولنا، وفعال هي خير من فِعالنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس، وكان خطيب رسول الله: «قم فأجبه».
فقام، فقال: الحمد لله أحمده، وأستعينه، وأومن به، وأتوكّل عليه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، ثمّ دعا المهاجرين من بني عمّه أحسن الناس وجوهًا وأعظمهم أحلامًا. فأجابوه، فقالوا: الحمد لله الذي جعلنا أنصاره، ووزراء رسوله، وعزًّا لدينه، فنحن نقاتل الناس، حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله، فمن قالها منع منّا ماله، ونفسه، ومن أبى قتلناه، وكان زعمه في الله علينا هينًا، أقول قولي وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات. فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبابهم: قم يا فلان، فقل أبياتًا تذكر فيها فضلك، وفضل قومك. فقام الشاب، فقال:
نحن الكرام فلا حيٌّ يعادلنا ** فينا الرؤوس وفينا يقسم الربع

ونطعم الناس عند القحط كلّهم ** من السديف إذا لم يؤنس القزع

إذا أبينا فلا يأبى لنا أحد ** إنا كذلك عند الفخر نرتفع

قال: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حسّان بن ثابت، فانطلق إليه الرّسول، فقال: وما تريد منّي وكنت عنده؟ قال: جاءت بنو تميم بشاعرهم، وخطيبهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس، فأجابه، وتكلّم شاعرهم، فأرسل إليك لتجيبه.
وذكر له قول شاعرهم. قال: فجاء حسّان، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبه فقال: يا رسول الله مره، فليُسمعني ما قال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اسمعه ما قلت»، فأنشده ما قال، فقال حسّان:
إنّ الذوائب من فهر وإخوتهم ** قد شرّعوا سُنّة للنّاس تتّبع

يرضى بها كلّ من كانت سريرته ** تقوى الإله وكلّ الخير يصطنع

ثمّ قال حسّان:
نصرنا رسول الله والدين عنوة ** على رغم عات من معد وحاضر

بضرب كأبزاغ المخاض مشاشه ** وطعن كأفواه اللقاح الصوادر

وسل أُحدًا يوم استقلت شعابه ** بضرب لنا مثل الليوث الجواذر

ألسنا نخوض الموت في حومة الوغى ** إذا طاب ورد الموت بين العساكر

ونضرب هام الدارعين وننتمي ** إلى حسب من جذم غسان قاهر

فلولا حياء الله قلنا تكرّمًا ** على النّاس بالخيفين هل من منافر

فأحياؤنا من خير من وطئ الحصى ** وأمواتنا من خير أهل المقابر

قال: فقام الأقرع بن حابس، فقال: إنّي والله لقد جئت لأمر ما جاء له هؤلاء، وإنّي قد قلت شعرًا، فاسمعه منّي، فقال: هات، فقال:
أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا ** إذا خالفونا عند ذكر المكارم

وإنّا رؤُس الناس من كلّ معشر ** وأنّ ليس في أرض الحجاز كدارم

وإنّ لنا المرباع في كلّ غارة ** تكون بنجد أو بأرض التهائم

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قم يا حسّان فأجبه». فقام حسّان، فقال:
بني دارم لا تفخروا إنّ فخركم ** يعود وبالًا عند ذكر المكارم

هبلتم علينا تفخرون وأنتمُ ** لنا خول من بين ظئر وخادم

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد كنت غنيًا يا أخا دارم أن يذكر منك ما قد ظننت أنّ الناس قد نسوه».
قال: فكان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدّ عليهم من قول حسّان. ثمّ رجع حسّان إلى شعره. فقال:
كأفضل ما نلتم من المجد والعلى ** ردافتنا من بعد ذكر الأكارم

فإن كنتمُ جئتمْ لحقن دمائكم ** وأموالكم أن تقسموا في المقاسم

فلا تجعلوا لله ندًّا وأسلموا ** ولا تفخروا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم بدارم

وإلاّ وربّ البيت مالت أكفّنا ** على هامكم بالمرهفات الصوارم

قال: فقام الأقرع بن حابس، فقال: إنّ محمّدًا المولى، إنه والله ما أدري ما هذا الأمر، تكلّم خطيبنا، فكان خطيبهم أحسن قولا، وتكلّم شاعرنا، فكان شاعرهم أشعر، وأحسن قولا. ثمّ دنا من النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسوله.
فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما يضرّك ما كان قبل هذا». ثمّ أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساهم، وقد كان يخلف في ركابهم عمرو بن الأهتم، وكان قيس بن عاصم يبغضه لحداثة سنه، فأعطاه رسول الله مثل ما أعطى القوم، فأزرى به قيس، وقال فيه أبيات شعر وارتفعت الأصوات، وكثر اللغط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي} إلى قوله: {وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} يعني جزاء وافرًا، وهو الجنّة.
{إِنَّ الذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحجرات} يعني أعراب تميم، حيث نادوا: يا محمّد اخرج علينا، فإنّ مدحنا زين وذمّنا شين، قاله قتادة. قال ابن عبّاس: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى حي من بني العنبر وأمّر عليهم عُيينة بن حصين الفزاري، فلمّا علموا أنّه توجّه نحوهم، هربوا، وتركوا عيالهم، فسباهم عُيينة، وقدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ذلك رجالهم يفدون الذراري، فقدموا وقت الظهيرة، وواقفوا رسول الله في أهله قائلًا، فلمّا رأتهم الذراري جهشوا إلى آبائهم يبكون، وكان لكلّ امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت، وحجرة، فعجلوا أن يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلوا ينادون: يا محمّد اخرج إلينا حتّى أيقظوه من نومه، فخرج إليهم، فقالوا: يا محمّد فادنا عيالنا.
فنزل جبريل، فقال: يا محمّد إنّ الله يأمرك أن تجعل بينك، وبينهم رجلًا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أترضون أن يكون بيني وبينكم سمرة بن عمرو، وهو على دينكم؟».
فقالوا: نعم. قال سمرة: أنا لا أحكم بينهم وعمّي شاهد، وهو الأعور بن شامة فرضوا به.
فقال الأعور: أرى أن يفادي نصفهم، ويعتق نصفهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قد رضيت».
ففادى نصفهم وأعتق نصفهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان عليه محرر من ولد إسماعيل، فليعتق منهم». فأنزل الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الذين يُنَادُونَكَ}.. الآية، وقال زيد بن أرقم: جاء ناس من الغرف إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل، فإن يكن نبيًّا فنحن أسعد الناس به، وأن يكن ملكًا نعشْ في جناحه. فجاءوا إلى حجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه: يا محمّد، يا محمّد، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحجرات} وهي جمع الحجر، والحجر جمع حجرة، فهو جمع الجمع، وفيه لغتان: فتح (الجيم) وهي قراءة أبي جعفر، كقول الشاعر:
أما كان عباد كفيًا لدارم ** يلي ولأبيات بها الحجرات

يعني يلي ولبني هاشم.
{أَكْثَرُهُمْ} جهلاء {لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حتى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} لأنّك كنت تعتقهم جميعًا، وتطلقهم بلا فداء.
{والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أخبرنا ابن منجويه، قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف، قال: حدّثنا أحمد بن عيسى بن السكين البلدي، قال: حدّثني هاشم بن القاسم الحراني، قال: حدّثني يعلى بن الأشدق، قال: حدّثني سعد بن عبد الله، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سُئل عن قول الله سبحانه: {إِنَّ الذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحجرات} قال: «هم الجفاة من بني تميم، لولا أنّهم من أشدّ الناس قتالًا للأعور الدجّال، لدعوت الله عزّ وجلّ أن يهلكهم».
{يا أيها الذين آمنوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق بعد الوقعة مصدّقًا، وكان بينه، وبينهم عداوة في الجاهلية، فلمّا سمع به القوم تلقوه تعظيمًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدّثه الشيطان أنّهم يريدون قتله، فهابهم، فرجع من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ بني المصطلق، قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي، فغضب رسول الله، وهمّ أن يغزوهم، فبلغ القوم رجوعه، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله سمعنا برسولك، فخرجنا نتلقّاه، ونكرمه، ونؤدّي إليه ما قِبلنا من حقّ الله، فبدا له في الرجوع، فخشينا أن يكون إنّما ردّه من الطريق كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا، وإنّا نعوذ بالله من غضبه، وغضب رسوله، فأبهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث خالد بن الوليد إليهم خفية في عسكر، وأمره أن يخفي عليهم قدومه.
وقال له: «انظر، فإن رأيت منهم ما يدلّ على إيمانهم، فخذ منهم زكاة أموالهم، وإن لم ترَ ذلك، فاستعمل فيهم ما يُستعمل في الكفّار».
ففعل ذلك خالد ووافاهم، فسمع منهم آذان صلاتي المغرب والعشاء، فأخذ منهم صدقاتهم، ولم ير منهم إلاّ الطاعة، والخير، فانصرف خالد إلى رسول الله، وأخبره الخبر، فأنزل الله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} يعني الوليد بن عقبة بن أبي معيط سمّاه الله فاسقًا، نظيره {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]، قال سهل بن عبد الله وابن زيد: الفاسق الكذّاب. أبو الحسين الورّاق: هو المعلن بالذنب، وقال ابن طاهر وابن زيد: الفاسق الذي لا يستحي من الله سبحانه.
بنبًا: بخبر {فتبينوا أَن تُصِيبُواْ} كي لا تصيبوا بالقتل، والقتال.
{قَوْمًا} براء {بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ على مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ واعلموا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله} فاتقوا أن تقولوا الباطل، وتفتروا الكذب، فإنّ الله سبحانه يخبره أنباءكم، ويعرّفه أحوالكم، فتفتضحوا.
{لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأمر} فيحكم برأيكم، ويقبل قولكم.
{لَعَنِتُّمْ} لأثمتم وهلكتم.
{ولكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان} فأنتم تطيعون رسول الله وتأتمّون به، فيقيكم الله بذلك العنت.
{وَزَيَّنَهُ} وحسّنه {فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر والفسوق والعصيان}.
ثمّ انتقل من الخطاب إلى الخبر، فقال عزّ من قائل: {أولئك هُمُ الراشدون} نظيرها قوله سبحانه: {وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ الناس فَلاَ يَرْبُو عِندَ الله وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فأولئك هُمُ المضعفون}.
[الروم: 39]، قال النابغة:
يا دارميّة بالعلياء فالسند ** أقوتْ وطال عليها سالف الأبد

{فَضْلًا} أي كان هذا فضلًا {مِّنَ الله وَنِعْمَةً والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا} قال أكثر المفسِّرين: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على مجلس من مجالس الأنصار وهو على حماره، فبال حماره، فأمسك عبد الله بن أُبي بأنفه وقال: إليك عنّا بحمارك، فقد آذانا نتنه. فقال عبد الله بن رواحة: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحًا منك.
فغضب لعبد الله بن أُبي رجل من قومه، وغضب لعبد الله بن رواحة رجل من قومه، فغضب لكلّ واحد منهما أصحابه حتّى استسبّوا، وتجالدوا بالأيدي، والجريد، والنعال، ولم يقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم على إمساكهم، فأنزل الله سبحانه هذه الآية، فلمّا نزلت قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاصطلحوا، وكفَّ بعضهم عن بعض، وأقبل بشير بن النعمان الأنصاري مشتملًا على سيفه، فوجدهم قد اصطلحوا، فقال عبد الله بن أُبي: أعليَّ تشتمل بالسيف يا بشير؟ قال: نعم، والّذي أحلف به لو جئت قبل أن تصطلحوا لضربتك حتّى أقتلك، فأنشأ عبد الله بن أُبي يقول:
متى ما يكن مولاك خصمك جاهدًا ** تظلم ويصرعك الذين تصارع

قال قتادة: نزلت في رجلين من الأنصار، كانت بينهما مذاراة في حقّ بينهما، فقال أحدهما للآخر: لآخذنّ حقّي منك عنوة، لكثرة عشيرته، وإنّ الآخر دعاه ليحاكمه إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يتبعه، فلم يزل الأمر بينهما، حتّى تدافعوا، وقد تناول بعضهم بعضًا بالأيدي، والنعال، ولم يكن قتال بالسيوف. وروى محمّد بن الفضيل، عن الكلبي أنّها نزلت في حرب سمير وحاطب، وكان سمير قتل حاطبًا، فجعل الأوس والخزرج يقتتلون إلى أن أتاهم النبيّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله سبحانه هذه الآية، وأمر نبيّه، والمؤمنين أن يصلحوا بينهم.